المهندس محمد
عدد المساهمات : 175 تاريخ التسجيل : 16/01/2010
| موضوع: الدرس الخامس : الشكر الأحد مايو 02, 2010 10:26 am | |
| الدرس الخامس
الشكر
الشكر خير عيش السعداء لم يترقوا إلى أعلى المنازل إلا بشكرهم ، ولمّا كان الإيمان صفين ، نصفٌ شكر ونصفٌ صبر ، كان حقيقاً على من نصح نفسه وآثر نجاتها وسعادتها. تعريف الشكر الشكر لغةً: الاعتراف بالإحسان، شكرت الله- شكرت لله- شكرت نعمة الله . فالشكر في اللغة هو ظهور أذر الغذاء في جسم الحيوان، والشكور من الدواب ما يكفيه العلف القليل أو الذي يسمن على العلف القليل. والشكر خلاف الكفر. والشكر الثناء على المحسن بما أولاه من معروف ، وتقول شكرته وشكرت له وقيل اللام أنصح ، والشكران خلاف الكفران. اشتكرت السماء أي اشتد وقع مطرها. واشتكر الضرع أي امتلأ لبناً . والشكر الزيادة والنماء. والشكر في الاصطلاح: ظهور أثر النعم الإلهية على العبد في قلبه إيماناً وفي لسانه حمداً وثناءً وفي جوارحه عبادة وطاعة ويكون القليل من النعمة مستوحياً الكثير من الشكر فكيف إذا كانت النعم كثيرة؟، ومن العباد من هو شاكر ومنهم من هو كافر. شكرت له، يتعدى باللام ، وكفرت به ؛ يتعدى بالباء!، ولابن القيم نكتة طرفة في هذا فيقول: [المشكور في الحقيقة هي النعمة وهي مضافة إلى المنعم لذلك تقول شكرت له فيتعدى باللام ، أما الكفر ففيه تكذيب وجحد بالنعمة لذلك قالوا كفر بالله وكفر بنعمته وكفر بآلائه فلذلك تعدى بالباء]. هذا الشكر له مقامات عظيمة في الدين: 1- قرن الله ذكره بشكره وكلاهما المراد بالخلق والأمر والصبر خادم لهما ووسيلة إليهما وعوناً عليهما، فقد قرن الله الشكر بالذكر فقال: ((فاذكروني أذكركم واشكروني ولا تكفرون)). 2- قرن الشكر بالإيمان ، وأنه لا غرض له في عذاب الخلق إذا قالوا آمنا (( ماذا يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم))، أي وفيتم حقه وما خلقتم من أجله وهو الشكر بالإيمان. 3- أهل الشكر هم المخصوصين بمنته عليهم من بين عباده فقال تعالى: (( وكذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين)). 4- قسم الناس إلى شكور وكفور فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهل الكفر وأحب الأشياء إليه الشكر وأهل الشكر (( إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً)). 5- يبتلي عباده ليستخرج الشكور فقال تعالى على لسان سليمان عليه السلام : ((هذا من فضل ربي يبلوني أءشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم)). 6- وعد الشاكرين بالزيادة (( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)). 7- الله يرضى عمل الشاكرين ويرضى الشكر (( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم)). فيقارن الله بين الشكر والكفر وأنهما ضدّان (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)). والشاكرون في هذه الآيات الذين ثبتوا على نعمة الإيمان ولم ينقلبوا على أعقابهم. فمن الناس من لا يصمد عند الابتلاء والمحنة فيكفر ولا يثبت، ومنهم من يظهر لربه حقيقة ما في قلبه عند المحنة والابتلاء ، فيتعالى لسانه بذكر ربه وحمده فيثبت ويشكر شكراً عملياً بالقلب واللسان والجوارح. 8- علّق الله المزيد بالشكر والمزيد من لا نهاية له، كما أن الشكر لا نهاية له، ووقف الله الكثير من الجزاء على المشيئة.. - (( فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء)). - في الإجابة (( فيكشف ما تدعون إليه إن شاء)). - في المغفرة ((يغفر لمن يشاء)). - في الرزق (( يرزق من يشاء)). - في التوبة ((ويتوب الله على من يشاء)). أما الشكر فإنه أطلقه (( وسنجزي الشاكرين))،((وسيجزي الله الشاكرين) ولم يقل ((إن شاء))!! 9- أخبر سبحانه وتعالى أن إبليس من مقاصده أن يمنع العباد من الشكر، فتعهد إبليس بأشياء (( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)) فإبليس يريد حرمانهم من الشكر والقعود بينهم وبينه. 10- وصف الله الشاكرين بأنهم قليل من عباده (( وقليل من عبادي الشكور))، وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول: [اللهم اجعلني من الأقلين] فقال ما هذا؟ قال: [ يا أمير المؤمنين : الله تعالى يقول ((وما آمن معه إلا قليل)) ويقول (( وقليل من عبادي الشكور)) ويقول ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم))] قال عمر: صدقت..!!، وإذا كان الشكر من صفات الأنبياء والمؤمنين فإنه ليس كذلك عند كل الناس فإن كثيراً منهم يتمتعون بالنعم ولا يشكرونها. 11- أثنى الله على أول رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشكر وهو نوح عليه السلام (( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً)) إشارة إلى الاقتداء به. 12- أخبر الله أنه يعبده من شكره وأن من لم يشكره فإنه ليس من أهل عبادته : (( واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)). 13- أمر سبحانه وتعالى عبده موسى أن يتلقى ما آتاه من النبوة والرسالة والتكليف بالشكر (( يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين)). 14- أول وصية أوصى بها الإنسان بعدما عقل أن يشكر له ثم لوالديه (( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير)). 15- أخبر الله أن رضاه في شكره (( إن تشكروا يرضه لكم)). 16- أخبر عن خليله إبراهيم بشكر نعمته (( إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين شاكراً لأنعمي اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم)). فمن صفات الأمة القدوة الذي يؤتم به بالخير يعدل مثاقيل من أهل الأرض أنه كان قانتاً لله شاكراً لأنعمه فجعل الشكر غاية خليله. 17- الشكر هو الغاية من الخلق(( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)). فهذه غاية الخلق، أما غاية الأمر (( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون))فكما قضى الله لهم بالنصر فليشكروا هذه النعمة. والخلاصة أن الشكر غاية الخلق وغاية الأمر فخلق ليشكر وأمر ليشكر (( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون))، والشكر مراد لنفسه والصبر مراد لغيره، أنت تصبر لأجل أن يحدث ما يترتب عليه وما يؤدي إليه من الأشياء، والشكر غاية في نفسه والصبر وسيلة إلى غيره وإلى ما يحمد وليس مقصوداً لنفسه. وفي منازل (( إياك نعبد وإياك نستعين )) ذكر ابن القيم في الشكر أيضاً سبعة عشر وجهاً وهي: 1- أنه من أعلى المنازل. 2- فوق منزلة الرضا والزيادة، فالرضا مندرج في الشكر ويستحيل وجود الشكر بدونه. 3- نصف الإيمان شكر ونصفه صبر. 4- أمر الله به ونهى عن ضده. 5- أثنى على أهله ووصفهم بخواص خلقه. 6- جعله غاية خلقه وأمره. 7- وعد أهله بأحسن الجزاء. 8- جعله سبباً للمزيد من فضله. 9- حارساً وحافظاً للنعمة. 10- أهل الشكر هم المنتفعون بآياته. 11- اشتق لهم اسماً من أسمائه (الشكور) وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكوراً. 12- غاية الرب من عبده. 13- سمى نفسه شاكراً وشكوراً ، وسمى الشاكرين بهذا الاسم فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلاً. 14- أخبر الله عن قلة الشاكرين في عباده. 15- الشكر لابد معه من مزيد. الشكر عكوف القلب على محبة المنعم، والجوارح على طاعته وجريان اللسان بذكره والثناء عليه. والشكر يتعلق بأمور ثلاث : القلب واللسان والجوارح، ومعنى الشكر ينطوي على معرفة ثلاثة أمور وهي معاني الشكر الثلاثة. 1- معرفة النعمة: استحضارها في الذهن وتمييزها والتيقن منها، فإذا عرف النعمة توصل إلى معرفتها بمعرفة المنعم بها ولو على وجه التفصيل، وهذا ما نجده في القرآن الكريم ليستحضر العبد هذه النعم فيشكر. وإذا عرف النعمة سيبحث العقل عن المنعم فإذا عرف المنعم أحبّه فإذا أحبه جد في طلبه وشكره ومن هنا تحصل العبادة لأنها طريق شكر المنعم وهو الله. 2- قبول النعمة: تلقيها بإظهار الفقر إلى المنعم والحاجة إليه وأن وصول النعم تمّ بغير استحقاق ، فالله أعطانا النعم منّة وتفضّل . 3- الثناء بها: الثناء على المنعم المتعلق بالنعمة نوعان : عام وهو أن تصفه بالجود والكرم والبر والإحسان وسعة العطاء ونحو ذلك. خاص أن تتحدث بنعمه عليك وتخبر بوصولها إليك (( وأما بنعمة ربك فحدث)). والتحديث المأمور به هنا فيه قولان: 1- أن تذكر وتعدد ( أنعم الله علي بكذا وكذا...) ولذلك قال بعض المفسرين اشكر ما ذكره من النعم عليك في هذه السورة من جبرك يتيماً وهدايتك بعد الضلال وإغنائك بعد العيلة. 2- أن تستعملها في طاعته. فالتحدث بالنعمة من الثناء على الله، فتثني على الله بالأسماء المناسبة لمقام الشكر(المنان-الكريم-ذو الفضل العظيم – الله واسع – عطاؤه كثير). حديث جابر مرفوعاً: [ من صنع إليه معروفاً فليجزِ به فإن لم يجد ما يجزي به فليثني فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره وإن كتمه فقد كفره ومن تحلّى بما لم يُعطَ كان كلابس ثوبي زور). ومن الثناء كقول جزاك الله خير، و الدعاء أيضاً وسيلة للشكر. أقسام الخلق في شكر النعمة ثلاثة: 1- شاكر للنعمة مثني بها. 2- جاحد لها كاتم لها. 3- مظهر أنه من أهلها وهو ليس من أهلها ، وكما في الحديث فالمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور. وقد روى النعمان بن بشير: [ من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس؛ لم يشكر الله]. والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب [ رواه أحمد]. والتحدث بالنعمة المأمور به ينبغي أن يكون ذلك في النفس وعند الآخرين ولكن إذا كان عند حاسديها فإن كتم ذكرها ليس من كفرها فهو لم يكتم ذكر النعمة شحاً بذلك وتقصيراً في حق الله لكن لدرء مفسدة وهي حسد صاحب العين وكيده وضرره ودفع الضرر من المقاصد الشرعية. أما مقابلة النعمة فلايمكن في حق الله (( لن ينال الله لحومها ولا دماءها)) ، فلا سبيل إلى المجازاة ويبقى في قضية الثناء عليه استعمالها فيما يرضيه ، أما المجازاة فلا سبيل إليها ولا ينتفع الله بخلقه شيء. و واجبنا نحو الله في النعم : 1- الخضوع له، خضوع الشاكر للمشكور. 2- حبه له، حب الشاكر للمشكور. 3- اعترافه بنعمته عليه( الإقرار). 4- الثناء عليه بها. 5- أن لا يستعملها فيما يكره بل يستعملها فيما يرضيه . وإذا كانت النعم تتفاضل فهل يتفاضل الشكر؟ نعم. والشكر لله يكون بالقلب واللسان والجوارح. | |
|